قصة موسى عليه السلام مع الخضر


قصة موسى عليه السلام مع الخضر




تُعدّ قصة لقاء النبي موسى عليه السلام بالخضر من القصص القرآنية التي تحمل في طياتها العديد من العبر والدروس العميقة. وردت هذه القصة في سورة الكهف، حيث تناولت أحداثاً مليئة بالحكمة الإلهية التي تُبرز محدودية العلم البشري أمام علم الله الواسع. وفيما يلي سردٌ لأهم تفاصيل هذه القصة مع استنباط بعض الحكم المستفادة منها.

بدأت القصة عندما خطب موسى عليه السلام في بني إسرائيل، فسألوه عن أعلم أهل الأرض، فأجابهم بأنه هو. ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يُعلّم نبيه درساً في التواضع والإقرار بأن العلم كله من عند الله، فأخبره بوجود رجل صالح أعلم منه، وهو الخضر، وأرشده إلى مكان لقائه عند مجمع البحرين.


انطلق موسى عليه السلام بصحبة فتاه يوشع بن نون، حاملين حوتاً في مكتل كعلامة للمكان الذي سيجدان فيه الخضر. وعندما وصلا إلى الصخرة، غلبهما النعاس، فهرب الحوت إلى البحر بعد أن شرب من عين الحياة، وهي عين ماء من شرب منها عادت إليه الحياة. استيقظ موسى عليه السلام وفتاه دون أن ينتبها لفقدان الحوت، واستمرّا في المسير حتى شعر موسى بالتعب والجوع. عندها تذكّر يوشع أمر الحوت وأخبر موسى بما حدث. عاد الاثنان إلى مكان فقدان الحوت، وهناك وجدا الخضر.


عندما التقى موسى بالخضر، طلب منه أن يرافقه ليتعلّم من علمه. وافق الخضر بشرط ألا يسأله عن شيء حتى يُفسّره له بنفسه. انطلقا معاً وبدأت سلسلة من الأحداث التي أثارت استغراب موسى عليه السلام.

ركب موسى والخضر سفينةً، فقام الخضر بخرقها. تعجّب موسى من هذا الفعل الذي بدا له غير منطقي، ولكن الخضر ذكّره بالشرط. لاحقاً أوضح الخضر أنّه فعل ذلك لحماية السفينة من ملك ظالم كان يأخذ السفن الصالحة غصباً.

في موقف آخر، قتل الخضر غلاماً صغيراً كان يلعب مع أقرانه. أنكر موسى عليه السلام هذا الفعل بشدة، ولكن الخضر ذكّره مرة أخرى بالشرط. بيّن الخضر لاحقاً أنّ الغلام كان جاحداً بالله، وأن قتله كان رحمة بوالديه المؤمنين حتى لا يجرّهما إلى الكفر.

وصل موسى والخضر إلى قرية رفض أهلها ضيافتهما. ومع ذلك، قام الخضر بإصلاح جدار مائل دون أن يطلب أجراً. استغرب موسى من هذا التصرف وأشار إلى إمكانية طلب أجر مقابل العمل. أوضح الخضر فيما بعد أنّ الجدار كان يحمي كنزاً لطفلين يتيمين أراد الله حفظه لهما بسبب صلاح والدهما.

في نهاية القصة، أوضح الخضر أنّ جميع أفعاله كانت بأمر الله سبحانه وتعالى، وكلها تحمل حكماً إلهية لا يدركها العقل البشري بسهولة. وقد مثّل ذلك درساً عظيماً لموسى عليه السلام وللبشرية جمعاء عن أهمية التواضع أمام علم الله اللامحدود.

 مكان لقاء موسى بالخضر

اختلف العلماء حول تحديد موقع "مجمع البحرين" المذكور في القصة. ومن أبرز الآراء:
1. أن مجمع البحرين هو مكان التقاء بحر فارس وبحر الروم.
2. أنه في بلاد المغرب عند طنجة.
3. أنه عند التقاء خليج العقبة وخليج السويس في البحر الأحمر.


الدروس المستفادة
1. التواضع في طلب العلم : مهما بلغ الإنسان من العلم والمعرفة، يبقى علمه محدوداً أمام علم الله.
2. الصبر على التعلم : يتطلب طلب العلم صبراً وتحملاً لما قد يبدو غير مفهوم أو منطقي.
3. الثقة بحكمة الله : أفعال الله سبحانه وتعالى قد تبدو للبشر غامضة أو غير مفهومة، لكنها دائماً تحمل الحكمة والرحمة.
4. أهمية الصلاح : صلاح الأبوين قد يكون سبباً في حفظ ذريتهما ورعايتها.

تُبرز هذه القصة العلاقة بين الإنسان والعلم الإلهي، وتؤكد على ضرورة الإيمان بأن كل ما يجري في الكون هو بتقدير الله وحكمته التي قد تخفى على البشر.