كم يوم يحاسب الميت في قبره وكيف يمر الزمن عليه وماذا يرى داخل القبر قسما لك سوف تبكى على حالك

 

كم يوم يحاسب الميت في قبره وكيف يمر الزمن عليه وماذا يرى داخل القبر





أول ليلة في القبر

 ضمَّةُ القَبر ثَبَتَ في العديد من الأحاديث الصَّحيحة أنَّ القَبر يَضُمُّ المَيِّتَ ضَمَّةً وقَبضَةً تتحرَّكُ منها أضلاعُهُ


أوّلها

ضمَّة القَبر لا يُستثنى ولا ينجو منها أحدٌ؛ فسيتعرَّضُ لها الكبيرُ والصغيرُ، والصَّالح والطَّالح، والمؤمِن والكافِر. وقد دلَّ على ذلك قولُ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم (لو أفْلَتَ أحدٌ من ضمَّةِ القبرِ، لأفْلَتَ هذا الصبيُّ) وقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عند وفاة سعد بن معاذ -رضي الله عنه (هذا الذي تحركَ له العرشُ، وفُتحتْ له أبوابُ السماءِ، وشهِدَه سبعونَ ألفًا من الملائكةِ، لقد ضُمَّ ضمةً، ثمَّ فُرِّجَ عنه) فقد ضمَّ القَبر سعد بن معاذ -رضي الله عنه- رغم فضله العظيم في الإسلام، حيث اهتزَّ عرشُ الرَّحمن لموته وشَيَّع جنازته سبعون ألفاً من الملائكة.


ثانيها

 ضمَّةُ القبر ليست كضمَّة الأمِّ الحنون كما قال بعض العلماء، إذ لو كانت كذلك لما أشفَقَ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم على سعد بن معاذ رضي الله عنه مِنها، ولكنّها تكون خفيفةً على المؤمن


ثالثها

 قوَّة ضمَّة القبر ليست سواءً بين النَّاس، إذ إنَّها متفاوتةٌ بين المؤمنِ والمنافقِ، وبين المؤمنِ والكافرِ


رابعها

 حَفْر القبر له طريقتين أوّلهما الشقُّ، وثانيهما الَّلحد؛ ويكون بحفر جانب القبر حال كون الأرض صلبةً، ويوضَعُ الميِّت فيه وتعدُّ أفضل الطريقتين لِأنّ الله تعالى اختارها لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم. وقد دلّ على ذلك ما ثبت عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال (كان بالمدينةِ رجُلانِ يحفِرانِ القبورَ؛ أبو عُبَيدةَ بنُ الجَرَّاحِ يحفِرُ لأهلِ مكةَ، وأبو طَلْحةَ يحفِرُ للأنصارِ ويُلحِدُ لهم، قال فلمَّا قُبِض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بعَث العبَّاسُ رجُلينِ إليهما، فقال اللَّهُمَّ خِرْ لنبِيِّكَ. فوجَدوا أبا طَلْحةَ، ولم يجِدوا أبا عُبَيدةَ، فحفَر له ولحَدَ)


سؤال المَلَكَينِ

 الإيمان باليوم الآخر أحدُ أركانِ الإيمان السِتَّة، ويتضمَّن الإيمان بجميع ما أخبر به رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ممَّا يحدث بعد الموت، ومن ذلك فتنة القبر وبعد هذه الفتنة إمَّا عذابٌ وإمَّا نعيمٌ. وتجدر الإشارة إلى توضيح خمسة أمور كما يأتي

 أوّلها

 أشار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم إلى لون واسمَي المَلَكَين اللَّذين يتكفَّلان بسؤال الميِّت في قبره، وذلك بقوله صلّى الله عليه وسلّم (إذا قُبِرَ المَيِّتُ أَتَاهُ مَلكَانِ أسودَانِ أَزْرَقَانِ يقالُ لأَحَدِهما المُنْكَرُ، ولِلآخَرِ النَّكِيرُ).

 ثانيها

 لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- يعلم بفتنة القبر حتى أوحى الله له بذلك؛ لِما ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- قالت (دَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَعِندِي امْرَأَةٌ مِنَ اليَهُودِ، وَهي تَقُولُ: هلْ شَعَرْتِ أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ في القُبُورِ قالَتْ فَارْتَاعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَقالَ: إنَّما تُفْتَنُ يَهُودُ، قالَتْ عَائِشَةُ: فَلَبِثْنَا لَيَالِيَ، ثُمَّ قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: هلْ شَعَرْتِ أنَّهُ أُوحِيَ إلَيَّ أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ في القُبُورِ قالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بَعْدُ يَسْتَعِيذُ مِن عَذَابِ القَبْرِ).

ثالثها

تشمل فتنة القبر المؤمن والكافر على حدٍّ سواء؛ لِعموم الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، إلَّا أنَّ بعض العلماء كالسيوطي وابن عبد البرِّ ذهبوا إلى أنَّ فتنة القبر خاصَّة بالمؤمنين، أمَّا الكافر فيُعجَّل بعذابه؛ لأنَّ الأمم السَّابقة التي كانت تعلن كفرها وعدم استجابتها للرُسُل كان الله -تعالى- يُعجِّل بعذابها. 

رابعها

 بيَّن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- إجابة كلٍّ من المؤمن، والكافر، والمنافق عن سؤال المَلَكَين، وذلك بقوله صلّى الله عليه وسلّم عن المؤمن (يأتيهِ ملَكانِ، فَيجْلِسانِهِ، فيقولانِ لهُ مَن ربُّكَ فيقولُ ربِّيَ اللَّهُ، فيقولانِ لهُ ما دينُكَ فيقولُ دينيَ الإسلامُ، فيقولانِ ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكم فيقولُ هوَ رسولُ اللَّهِ، فيقولانِ وما يُدريكَ فيقولُ: قرأتُ كتابَ اللَّهِ؛ فآمنتُ بهِ وصدَّقتُ) وبقوله صلّى الله عليه وسلّم عن المنافق (وأَمَّا المُنَافِقُ أوِ المُرْتَابُ لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ فيَقولُ لا أدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يقولونَ شيئًا فَقُلتُهُ). وبقوله صلّى الله عليه وسلّم عن المنافق (وأَمَّا المُنَافِقُ أوِ المُرْتَابُ لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ فيَقولُ لا أدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يقولونَ شيئًا فَقُلتُهُ) 


خامسها

 يُستثنى من فتنة القبر الأنبياء عليهم السلام والشهداء، والمرابطون في سبيل الله تعالى. أمَّا غير المكلّفين كالصِّغار والمجانين فقد اختُلِف في استثنائهم، حيثُ ذهب بعض العلماء إلى القول باستثنائهم لِكون القلم مرفوع عنهم؛ فلا جدوى من فتنتهم واختبارهم، بينما ذهب أكثر أهل العلم إلى القول بعدم استثنائهم وأنَّهم يُفتنون كما المكلَّفين لِعموم الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك


عَرض مكانه عليه في الجنّة أو النَّار

 ثَبَتَ في العديد من الأحاديث الصَّحيحة أنَّ الميِّت في قَبره يُعرَض عليه مِقعَدُهُ من الجنَّة أو النَّار، ومن ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم (إنَّ أحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عليه مَقْعَدُهُ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ، إنْ كانَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وإنْ كانَ مِن أهْلِ النَّارِ فَمِنْ أهْلِ النَّار فيُقَالُ هذا مَقْعَدُكَ حتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ). وتكمُن الحِكمة من هذا العرض في أمرين: أولاً تحقيق الفرح والبهجة للمؤمن برؤية مقعده في الجنَّة، والحزن والأسى للكافر أو المُشرك برؤية مقعده في النَّار، وثانياً إثبات عذاب القبر؛ فرؤية الميت مقعده من النَّار يُعدُّ نوعاً من أساليب العذاب المؤلمة. وتجدر الإشارة إلى توضيح أربعة أمور كما يأتي

أوّلها

 تُرَدُّ روح الميِّت إليه في قبره؛ حتى يتمكَّن من إدراك عَرْض مقعده عليه من الجنّة أو النَّار، ممّا يجعل العرض يقعُ على الروح والجسد معا، وذلك لقوله تعالى (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا).

 ثانيها

 يُعرَض للميِّت مقعده في الجنَّة أو النَّار صباحاً ومساءً لقوله صلّى الله عليه وسلّم (عُرِضَ عليه مَقْعَدُهُ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ).


 ثالثها

 يدلُّ اتِّحاد الشرط والجزاء في قوله صلّى الله عليه وسلّم (إنْ كانَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وإنْ كانَ مِن أهْلِ النَّارِ فَمِنْ أهْلِ النَّارِ) على عظمة المعنى وبداية المُبشِّرات بالسَّعادة الكبرى؛ حيث من كان من أهل الجنَّة فمقعده من مقاعدها، ومن كان من أهل النَار فمقعده من مقاعدها.


 رابعها

 لا يصل الميِّت إلى مقعده من الجنَّة أو النَّار إلَّا بعد البعث، لقوله صلّى الله عليه وسلّم (فيُقَالُ هذا مَقْعَدُكَ حتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ).