قصّة أيّوب عليه السلام
يُعَدّ أيّوب -عليه السلام- نبيّاً من نسل الأنبياء قال تعالى (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ). فهو على المشهور- من ذُرّية إبراهيم -عليه السلام إذ استدلّ العلماء على ذلك من أنّ الضمير في الآية عائد على نبيّ الله إبراهيم، وليس على نوح -عليه السلام وكانت بعثته -عليه السلام- بين موسى، ويوسف عليهما السلام وصَبرُ أيّوب -عليه السلام- الذي اتّصف به على البلاء جعلَ منه قدوةً ومثالاً للصابرين وليس في ذلك غرابة؛ فأنبياء الله تعالى ورُسله هم أشدّ الناس بلاءً؛ إذ بيّنَ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك في الحديث الذي رواه سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه أنّه قال (قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً قالَ الأَنبياءُ ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ) كما أنّهم أكثر الناس صبراً، وثباتاً في الابتلاءات، والوقوف في وجهها، ومعرفةً لحقيقة أنّها نِعمَة من نِعَم الله؛ لأنّها سببٌ لرَفع درجاتهم عند الله -تعالى
الثابت في قصة أيوب عليه السلام
ذُكرت قصة أيوب -عليه السلام- في سورتي (ص) و(الأنبياء) في القرآن الكريم، ففي سورة (ص) قال الله -تعالى (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ) فقد دعا أيوب -عليه السلام وتضرّع إلى الله بالشّفاء ممّا أصابه الشيطان من المرض والمعاناة والسَّقم، فأرشده الله -سبحانه- فقال (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) فشرِب واغتسل من نبع الماء، وذهب عنه المرض بإذن الله، وأنعم الله عليه بأن جمع شمل بأهله معه بعد أن تفرّقوا عنه، وكان أيوب -عليه السّلام- قد أقسم أن يضرب زوجته، فقال الله -سبحانه (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ) أي أن يأخذ حزمة عيدان ويضرب بها كي يكفّر عن يمينه ولا يحنث، وهي رخصةٌ جعلها الله -تعالى- لنبيّه أيوب -عليه السلام وأثنى الله -سبحانه- في آخر هذه الآيات على عبده أيوب -عليه السلام- لعِظم صبره، أما ذكر قصّته في سورة الأنبياء؛ فقد قال -تعالى (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ) والضُّر يعني المرض، أمّا الضَّر بالفتح فهو أشمل، حيث يكون بما يصيب الأهل والنّفس والمال وغير ذلك، وقد استجاب له الله -تعالى دعاءه بفضله وكرمه، فبرّأه من المرض، وجمع أهله معه
ويجدر بالذكر أن قصة أيّوب -عليه السلام- لم ترد إلا في هذيْن الموضعيْن من القرآن الكريم، قال ابن العربي -رحمه الله وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَيُّوبَ فِي أَمْرِهِ إِلَّا مَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ فِي آيَتَيْنِ فذكَر الآيتين، ثم يُكمل فيقول وَأَمَّا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ إِلَّا قَوْلُهُ وأورد هذا الحديث (بَيْنَا أيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا، فَخَرَّ عليه جَرَادٌ مِن ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أيُّوبُ يَحْتَثِي في ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ يا أيُّوبُ، ألَمْ أكُنْ أغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قالَ بَلَى وعِزَّتِكَ، ولَكِنْ لا غِنَى بي عن بَرَكَتِكَ) فيُخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلّم أن أيّوب عليه السلام كان يغتسل متجرّداً من الثّياب في أحد الأيام، فأنزل الله -سبحانه- عليه جرادٌ من ذهب، فصار أيوب -عليه السلام يجمع منه ويضعه في ثوبه، وهذه معجزة من الله -تعالى وكانت امتحاناً له على شكر نعم الله -عزّ وجلّ وحاشاه أن يكون جمع هذا المال والذهب حبّاً للدنيا، ولذلك قال ولكنْ لا غِنى لي عَن بَركتِك فكان شكره للنّعمة بأن تلقّاها من الله بالقبول، لأنّها بركة من ربّه -سبحانه
مدّة صبر أيّوب عليه السلام
ورد عن ابن حجر العسقلانيّ أنّ أصحّ ما جاء في قصَّة أيّوب -عليه السلام- ما أخرجه ابن أبي حَاتم عَن أَنس أنّه -عليه السلام- ظلّ مُبتلىً مدّة ثلاث عشرة سنة، جاء في الحديث (أنَّ أيوبَ عليهِ السلامُ ابتُليَ فلبثَ في بلائهِ ثلاثَ عشرةَ سنةً) وجاء في رواية أخرى عند صاحب المستدرك، وغيره، أنّ بلاءه استمرّ ثماني عشرة سنة، ورد في الحديث: (إنَّ نَبيَّ اللهِ أيُّوبَ عليه السَّلامُ لبِثَ به بَلاؤُهُ ثَمانَ عَشْرةَ سَنَةً)
وفاة النبيّ أيّوب ومكان قبره
تُوفِّي النبيّ أيّوب عليه السلام- وله من العمر ما يزيد عن التسعين عاماً إلّا أنّ المكان الذي دُفِن فيه غير معلوم؛ فقد ورد عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنّ قبر النبيّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم هو القبر الوحيد الذي اتُّفِق على أنَّه قبر نبيّ، أمّا فيما يتعلّق بالبئر الذي يُقال له بئر أيّوب والذي يظنّ الناس أنّه البئر الذي اغتسل فيه عليه السلام- فلا دليل على صحّته، ولا يُعلَم مكانه
العِبر المُستفادة من قصّة أيّوب عليه السلام
تحتوي قصّة أيوب عليه السلام على العديد من المعاني والعِبر، منهاالتوكُّل على الله، والصبر على بلائه سبب لنَيل المؤمن الأجرَ والثواب. تقوية الصلة بالله -تعالى- والثقة المُطلقة به. تهذيب النفس على الصبر على البلاء، والشُّكر في الخير والشرّ. صبر العبد دليل قويّ على عُمق إيمانه، وصدق توجُّهه لله -تعالى الرضا بقضاء الله -تعالى وقَدَره، واللجوء إليه، وتَرك ما سواه عند اشتداد المِحَن. الأخذ بالأسباب، والإخلاص في السَّعي، ودعاء الله عند الشدائد؛ للوصول إلى النجاح